
محمود خطاطبة
في ضوء التحول في سياسة الولايات المُتحدة الأميركية الجديدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، والتغير الحاصل في تحالفات واشنطن التاريخية أو التقليدية، التأمت دول الاتحاد الأوروبي في قمة استثنائية، عُقدت في بروكسل مؤخرًا، من أجل هدف واحد فقط، يتمثل بتعزيز الدفاع الأوروبي، وطمأنة أوكرانيا في حربها مع الروس.
وفي نظرة سريعة لما آلت إليه مُخرجات القمة الأوروبية، نُلاحظ بأن الاتحاد الأوروبي أكد أنه سـ»يواصل دعمه المُستمر لكييف، بُغية الحفاظ على استقلال وسيادة وسلامة أراضي أوكرانيا، ولا يُمكن إجراء مُفاوضات بشأن كييف دون مُشاركة الأخيرة، فضلًا عن أي اتفاق يجب أن يكون مصحوبًا بضمانات أمنية، تُساهم في ردع أي عدوان روسي مُستقبلي».
عُلمنا منذ نعومة أظافرنا، أن نُفرق ما بين الحسد والغيرة، فالأولى مذمومة، وغير مرغوب فيها، بحيث تلفظها الإنسانية جمعاء، على عكس الثانية التي يجب أن تكون في كُل إنسان حُر، خصوصًا إذا كانت مشروعة، فالغيرة المشروعة تُعتبر من أحد مطالب العيش على وجه الكرة الأرضية، كونها تُشكل دافعًا للعمل من أجل بناء الأوطان، والاختراع بهدف مواكبة التطورات التي يشهدها الكون، يومًا بعد يوم.
إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي، التي لا يجمعها لا لغة واحدة، ولا ثقافة واحدة، ولا تاريخ واحد، يقفون على قلب رجل واحد، من أجل «إنقاذ» أوكرانيا، ويُقدمون لها دعمًا ماليًا جديدًا مُنتظمًا، تصل قيمته إلى 30.6 مليار يورو، خلال العام الحالي فقط، فلماذا الدول العربية، التي تجمعها ثقافة واحدة، وتاريخ واحد، ولغة واحدة، ونستطيع القول أيضًا دين واحد، لا يسيرون على درب دول أوروبا؟، وبالتالي يُقدمون الدعم المادي والعسكري والمعنوي، إلى أشقاء لنا في فلسطين المُحتلة بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص.
إذا كانت الغيرة المشروعة، مطلوبة في مثل هكذا ظروف، فاني أجزم بأن الحسد في الوقوف بجانب دولة مظلومة، مطلوبة أيضًا، وتُعتبر خطوة إيجابية وليست سلبية، خصوصًا إذا كان المظلوم هي دولة شقيقة، تُعاني من ويلات الدمار والقتل والتشريد والتهجير، منذ أكثر من ستة وسبعين عامًا.
قد «يتنطح» أحدهم، ويقول بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي، تملك الكثير من الترسانة النووية والعسكرية الحديثة والمُتطورة، ما يكفي لتدمير الدول العربية مُجتمعة، فإن الرد عليه يكون بأن روسيا أيضًا لديها ترسانة نووية أكبر وبكثير مما تمتلكه الكثير من دول العالم، إذ كشفت أرقام شبه رسمية منذ تسعينيات القرن الماضي بأن موسكو قادرة، بما تمتلكه من أسلحة غير تقليدية، على تدمير العالم أجمع ستا وثلاثين مرة!.
ثم إن لا أحد يُطالب من الدول العربية، أكانت مُجتمعة أم مُنفردة، بخوض حرب مع الكيان الصهيوني.. المطلوب هو أن نغار من أوروبا، وتقليدها فيما تقوم به تجاه أوكرانيا، أو على الأقل نُردد مقولة الأوروبيين بأن «تحقيق السلام من خلال القوة، يتطلب أن تكون كييف في أقوى وضع مُمكن، مع وجود قُدرات عسكرية ودفاعية قوية، وينطبق ذلك قبل وأثناء وبعد المُفاوضات لإنهاء الحرب».
مطلوب من الدول العربية، الالتزام بتقديم دعم سياسي ومالي واقتصادي وإنساني وعسكري ودبلوماسي، أكثر لفلسطين وغزة، وكذلك طبعًا سورية ولبنان، التي تتعرض لهجمات صهيونية شبه يوميًا، ومن ثم زيادة الضغط على دولة الاحتلال ومن يدعمها.
فما ترتكبه آلة البطش الصهيوني، أكان في فلسطين أم غزة أم لبنان أم سورية، يؤكد ضرورة أن تقف الدول العربية على قلب رجل واحد.. وأخشى أن تنطبق علينا مقولة «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض». -(الغد)