
محمود خطاطبة
تطرق الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى المُشادة الكلامية التي حدثت في البيت الأبيض، ما بين رئيس الولايات المُتحدة الأميركية، دونالد ترامب، ونائبه جيه دي فانس، من جهة، والرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، من جهة أُخرى.
المقال تضمن ثلاثة محاور، الأول تأكيد فريدمان بأن الرئيس ترامب «يلعب دور عميل روسي على شاشة التلفزيون»، والمحور الثاني هو «الكمين المُخطط له بوضوح من قِبل ترامب وفانس، للرئيس الأوكراني»، أما المحور الثالث فيُشير الكاتب بطريقة أو أُخرى إلى أن ترامب يقود بلاده إلى المجهول.
لن أتطرق في هذه الكلمات إلى المحورين الأول والثاني، فقد تم إشباعهما تحليلًا وتمحيصًا ونقدًا، لكن باعتقادي ما يهم العالم أجمع، هو ما ختم به فريدمان مقاله، حيث وصف سياسة إدارة البيت الأبيض الجديدة بالقول: «هذا تحريف كامل للسياسة الخارجية الأميركية، التي يُمارسها كُل رئيس منذ الحرب العالمية الأولى»، وحذر «الأميركيين من أنهم في مياه مجهولة تمامًا، بقيادة ترامب».
عندما يُدقق المرء في الكلمات الأخيرة في المقال، فإنه يصل إلى نتيجتين، الأولى قائمة على كذب وخداع وتضليل، والثانية تدق ناقوس خطر، لكن من نوع آخر.
أما النتيجة الأولى، فكأنما الكاتب فريدمان يُريد أن يُقنعنا بأن بلاده ومنذ 250 عامًا، لم تشهد مثل هذه الأحداث، ولم تقف في تاريخها أبدًا بجانب المُعتدين والغُزاة والدكتاتوريين، وكانت دومًا في صف المظلوم والديمقراطية والحُرية وحقوق الإنسان.. وهذا كُله افتراء، لا بل افتراء مُصاحب للفجور، لم يشهد العالم مثيلًا له.
وما حدث في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، حيث ألقى الجيش الأميركي قُنبلتين نوويتين على ناكازاكي وهيروشما، تسببتا في عشرات الآلاف من الضحايا، ومثلهم من الإصابات، بعضهم أُصيب بإعاقة دائمة، ثم عروج ذلك الجيش الهمجي على أفغانستان، وأحدث فيها ما أحدث من قتل وتدمير، فالعراق الذي قارب عدد شهدائه وضحاياه من الإصابات نحو مليون شخص، وقبل ذلك دعمها اللامحدود وغير الأخلاقي وغير الإنساني للكيان الصهيوني على حساب فلسطين الجريحة، ومنذ أكثر من 75 عامًا.
أما النتيجة الثانية، وهي الأهم في مُجمل هذه الكلمات، والتي يجب الانتباه إليها جيدًا، هو تحذير الكاتب فريدمان للأميركيين بأنهم سائرون في مياه «مجهولة».. وكأن الكاتب يُلمح بطريقة غير مُباشرة إلى ضرورة وحتمية عزل الرئيس ترامب، وربما تصلح التلميحات إلى الاغتيال أو القتل.
فالرئيس ترامب لم يسلم أحد من شرر انتقاداته، أكان على مُستوى الصف الأول من قيادت البيت الأبيض، أم على مُستوى المؤسسات التي تصنع السياسة الأميركية، داخليًا وخارجيًا، منذ نشأة الولايات المُتحدة.
وما يدل على أن الوضع لا يسير بشكل سليم، هو مُقاطعة أكثر من نائب من النواب الديمقراطيين لخطاب ترامب أمام الكونغرس، أول من أمس، واتهامه بالكذب والخداع والتضليل، داعين إلى فضح وكشف أكاذيبه.. وقبل ذلك القرارات التي اتخذها وأضرت بأكثر باقتصاد أكثر من دولة، وكأن لسان حاله يقول بأنه بدأ بالفعل يُعادي حلفاءه السابقين، وأصبح يتفنن بخلق عداوات جديدة.
كُل ذلك يدل على صحة ما ذهب إليه الكاتب ترامب بأن الولايات المُتحدة ماضية في «المجهول»، ما لم يتم إيقاف الرئيس ترامب.. ومعلوم بأن إيقافه يكون بطريقتين فقط إما عن طريق عزله، أو تسهيل الأمور لإبعاده، بغض النظر عن قانونية هذه الخطوة. -(الغد)