
محمود خطاطبة
في عقله لوثة، كُل من يُفكر بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ منذ أيام معدودات فقط، تنفيذ عمليات تهجير في الضفة الغربية المُحتلة، إذ إن هذه العمليات مُخطط لها، ومرسومة بدقة مُتناهية، ومنذ أعوام، وإن كان قد بدأ تنفيذها على أرض الواقع بُعيد “طوفان الأقصى”، الذي وقع في السابع من شهر تشرين الأول (اكتوبر) 2023.
وما إيعاز تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لجيش بلاده الغاصب بـ”البقاء في مُخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أخلاها من سكانها شمالي الضفة الغربية، للشهور الـ12 المُقبلة، وعدم السماح لهم بالعودة”، ومن ثم رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يوجه بتوسيع العدوان العسكري، وقد يتم استخدام طائرات حربية، إلا دليل واضح وضوح الشمس على تطبيق خطة الصهاينة بـ”تهجير” أو إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم.
وما يُدلل أيضًا على صحة هذه الكلمات، هو استعانة جيش الاحتلال بـ”فصيل دبابات”، ولأول مرة منذ العام 2002، أي وقت بدء الانتفاضة الثانية، فضلا عن تعزيزه بقوات إضافية، هدفها تنفيذ خطة التهجير أو الإبعاد، وإن كان بطريقة أُخرى، حيث إنه وحتى كتابة هذا السطور، تم تهجير ما يقرب من الـ50 ألف فلسطيني من مُخيمات: جنين، طولكرم، نور شمس، الأمر الذي يعني أن هذه المُخيمات أصبحت خالية من قاطنيها، فضلا عن إيقاف أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
ليس من العقل في شيء، أن ينظر أي كان، إلى تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالتوازي مع ما يقوم به المُستوطنون من اعتداءات، في الضفة الغربية، وكأنه أمر اعتيادي أو طبيعي، وإنما يجب النظر إليه على أنه عبارة عن خطة يتم تنفيذها بحذافيرها وبكُل دقة، وأن بني صهيون ماضون بتحقيق أهداف هذه الخطة، غير آبهين أو مُعيرين أي أنتباه لمواثيق أو قوانين أو مُعاهدات دولية أو إقليمية.
فليس من قبيل الصدفة أبدا، أن يستشهد 923 شهيدا فلسطينيا على يد آلة البطش الهمجية، منذ بدء “طوفان الأقصى” وحتى الآن، أي خلال 16 شهرا فقط، بمُعدل 57.7 شهيد بشكل يومي، وبمعنى ثان كان أبناء الضفة الغربية يُقدمون 2.4 شهيد كُل ساعة.
وليس طبيعيا، أن يوجد كُل يوم 1166 جريحا، الأمر الذي يعني وجود 48.6 شخص مُصاب كُل ساعة.. وليس صدفة أيضًا أن يقوم الاحتلال باعتقال 906 فلسطينيين من أبناء الضفة الغربية يوميا، أو بمعنى أصح هُناك 37.8 مُعتقل كُل ساعة.
أرقام خطيرة، تدل بطريقة أو أُخرى أن مُخطط إرهابي القرن الواحد والعشرين، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لضم الضفة الغربية، أو حتى أجزاء منها، وبالتالي إعلان السيادة عليها، ماض وبشكل مُمنهج، وإن كان هُناك دول، وعلى رأسها الأردن، ترفض وبشكل مُباشر مثل أي نوع من أنواع التهجير أو الضم.
مطلوب من الدول العربية، الانتباه والتيقض جيدا، لما يُحاك للفلسطينيين، أكانوا في الضفة الغربية أم قطاع غزة، والعمل قدر المُستطاع، وبكُل جدية وقوة، من أجل تعطيل خطة اليمين المُتطرف من الصهاينة، خصوصا أن الأردن من أكبر المُتأثرين بذلك، بعد الفلسطينيين طبعا.
فالضفة الغربية، تُبتلع جُزءًا جُزءًا، على مرأى ومسمع العالم المُتقدم والمُتحضر، المُنادي بالحقوق والحُريات، وأولئك المؤمنون بعدالة الشعوب، والأمة العربية، كعادتها تكتفي بالمُشاهدة، وتلتزم بالصمت، ومن ثم الاستنكار والتنديد، إلا ما رحم ربي.. فما يحدث في الضفة الغربية، نستطيع أن نُطلق عليه “تواطؤا” من قبل أكثر من جهة.