الاستثمار

الشرق الأوسط يتجه لواقع جيوسياسي مُختلف عن السابق.. “البراغماتية هي الحل”

962 – نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” تقريرًا يناقش التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مؤكدة أن قادة المنطقة بدأوا باعتماد سياسات أكثر براغماتية، لكن الطريق ما يزال طويلا لتحقيق الاستقرار.

وقالت المجلة إن الكثير من الدماء سالت خلال المحاولات العديدة الفاشلة لإنشاء “شرق أوسط جديد”، لكن المؤشرات الحالية تدل على أن المنطقة قد تتجه نحو واقع جيوسياسي مُختلف عن السابق.

وأضافت أن قادة المنطقة أصبحوا بعد الحرب الأخيرة بين الخصمين اللدودين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أكثر تقبلا لفكرة أن الشرق الأوسط المليء بالصراعات لا يتناسب مع استراتيجياتهم الكُبرى أو مصالحهم الوطنية، وهذه القناعة بدأت تشكل ببطء شرق أوسط جديدًا.

واعتبرت المجلة أن هذا المخاض ليس سهلا على الإطلاق، فالصراع في السودان يُعد المثال الأبرز على أن المُنافسة الإقليمية ما تزال تتحول إلى صراعات دموية في بعض دول العالم العربي. وقد كان هذا هو الحال في الآونة الأخيرة في لبنان وسورية والعراق وفلسطين واليمن وليبيا وتونس.

ورأت أن تل أبيب وطهران أثبتتا براعتهما في خلق ساحات للتنافس على بسط النفوذ، تمامًا مثلما تواصل دول الخليج، على غرار الإمارات العربية المُتحدة، مُحاربة أي مظهر من مظاهر الديمقراطية خوفًا من وصول الإسلاميين للحُكم.

وأشارت المجلة إلى أن هذه الديناميكيات لن تتغير بين عشية وضحاها، لكن بعض الأحداث تُثبت أن هُناك تحولات جوهرية، ومنها انتهاء حصار قطر، وجهود دول الخليج للتطبيع مع نظام الأسد السابق، ووقف إطلاق النار في اليمن بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين، واتفاق التطبيع بين السعودية وإيران.

“براغماتية قاسية”
وبحسب المجلة، فإن كل هذه الأحداث تعكس رغبة براغماتية في التركيز على التنمية الاقتصادية من خلال التعاون، وتمثل نقاط تحول رئيسية بعيدًا عن الصراعات وفترة الربيع العربي المُضطربة التي حارب فيها المُستبدون مطالب التغيير.

وتابعت المجلة بأن هجمات “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عززت التحول نحو “البراغماتية القاسية”، وعلى الرغم من تخوف العديد من الخُبراء والمسؤولين من أن تؤدي الحرب الإسرائيلية على غزة إلى صراع إقليمي كبير، إلا أن حجم التوتر لم يرقَ إلى مُستوى أسوأ التوقعات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تخلي قادة الشرق الأوسط عن السياسات الصفرية.

وانعكاسًا لهذه الديناميكية، جرى نوع من التقارب بين السعودية وإيران، وقد شدّدا على أهمية استقرار الوضع ومنع توسع النزاع.

وأوضحت المجلة أن التعاون يتجاوز المصلحة المُشتركة في منع نشوب حرب إقليمية تضر بالجميع، حيث تشهد المنطقة أيضًا توسعًا ملحوظًا في التعاون الدبلوماسي والاقتصادي.

ويتجلى ذلك بشكل خاص على الساحة السورية، حيث تهتم دول المنطقة بشكل كبير بنجاح حُكومة تصريف الأعمال السورية الجديدة، وتعمل دول الخليج بشكل مُنسق على دعم العملية الانتقالية من خلال الاستثمار في إعادة إعمار البلاد، والدعوة إلى رفع العقوبات.

وحتى الخصوم التقليديون، أي تركيا وقطر من جهة، والسعودية من جهة أخرى، يبدو أنهم عازمون على ضمان حصول دمشق على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري الذي تحتاجه في الفترة الحالية، وفقًا للمجلة.

التعاون العسكري
وأضافت المجلة أن التعاون العسكري يحمل أيضًا مؤشرات واعدة على البراغماتية والتعاون الإقليمي الضروريين لدفع عجلة التنمية والاستقرار.

فقد عملت تركيا مع السعودية والإمارات على إبرام صفقات عسكرية واقتصادية في الأعوام الأخيرة؛ وحصلت أنقرة على استثمارات من دول الخليج الغنية لدعم اقتصادها المُتعثر، بينما حصلت الدول الخليجية على التكنولوجيا والمُعدات العسكرية من قطاع الصناعات الدفاعية المُتنامي في تركيا وسط القيود الأميركية في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

جاء ذلك في أعقاب أعوام من التوتر، حسب المجلة، حيث كانت تركيا وقطر تدعمان حركات الإسلام السياسي، ما شكّل مصدر إزعاج لعدة دول، وقد ردت السعودية وحلفاؤها بحصار قطر، لكن كُل هذه الدول تنسق فيما بينها حاليًا لتحقيق المصالح المُشتركة.

هل تستقر المنطقة؟
ورأت المجلة رغم كُل هذا التقارب أن المنطقة بعيدة كُل البعد عن الاستقرار الكامل، حيث لا توجد دولتان في الشرق الأوسط مُتوافقتان تمامًا في كل القضايا، فالرياض وأبوظبي تتنافسان بحدة على مُستوى الاقتصاد والاستثمارات، كما أن التنافس السعودي الإيراني لم ينتهِ بعد رغم المُصافحات الودية وإحياء الكُتلة المؤيدة لفلسطين، وما تزال تركيا تُتهم بـ”العثمانية الجديدة”، خاصة مع نفوذها في سورية ما بعد الأسد.

وختمت المجلة بأن التغيير الإيجابي يستغرق وقتًا طويلًا، لكن من الواضح أن قادة المنطقة يأملون في بداية عصر جديد في الشرق الأوسط، عصر يقوم على التنمية الاقتصادية والتعاون التجاري والاستقرار، وهي طموحات في مُتناول أيديهم إذا اختاروا المضي قدمًا في هذا المسار. -(عربي 21)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button