الشحن الجوي والبحري

هل يُغير الممر الجديد “الهند نحو الشرق الأوسط وأوروبا” وضع قناة السويس؟

12 % من التجارة البحرية عالميًا تمر عبر قناة السويس

962 – القاهرة – في خطوة من شأنها إعادة تشكيل ملامح التجارة الدولية، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التأكيد على ما طرحه سلفه العام 2023 من مشروع ممر تجاري جديد، واصفًا إياه بأنه “أحد أعظم الطرق التجارية في التاريخ”.

ويتألف الطريق المُقترح من ممرين مُنفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي، والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا.

ويمتد هذا الطريق من موانئ الهند إلى الولايات المُتحدة، عبر الإمارات والسعودية والأردن ثم إسرائيل وإيطاليا، ما يُعد تحديًا مُباشرًا لمشروع الصين العملاق (الحزام والطريق) وإشعال المُنافسة على طرق التجارة العالمية.

لكن ثمة تساؤلات تُثار حول جدوى هذا المشروع الطموح في ظل تعقيدات النقل مُتعدد الوسائط، وتكاليفه الباهظة، وتأثيره على دول مثل مصر التي تعتمد على قناة السويس كمصدر رئيس للدخل القومي.

وقال الرئيس الأميركي، خلال مؤتمر صحفي مُشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، “اتفقنا على العمل معًا للمُساعدة في بناء أحد أعظم الطرق التجارية في تاريخ البشرية”، مُضيفًا أن هذا الممر سيسمح للولايات المُتحدة “بالبقاء في الصدارة” في إشارة إلى المُنافسة الاقتصادية المُستمرة مع الصين.

وفي أيلول (سبتمبر) 2023، أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن مشروع ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، بينما وصفه رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيُحدث تغييرًا في ملامح المنطقة.

ووقّعت الولايات المُتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين في نيودلهي آنذاك، مُذكرة تفاهم لإنشاء هذا الممر، الذي يشمل سككًا حديدية وربط موانئ ومد خطوط وأنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات.

وقد علق رئيس هيئة قناة السويس السابق، الفريق مهاب مميش، على إعلان إنشاء مشروع الممر الاقتصادي حينها بأنه “لا بديل عن القناة أسرع طريق للنقل البحري”، مُستبعدًا أي تداعيات مُستقبلية.

وتوقع أن تكون عملية النقل عبر الطريق الجديد مُكلفة، وأن تستغرق وقتًا طويلًا، ما يجعلها غير مُجدية من وجهة نظر اقتصاديات النقل البحري.

الطريق الجديد بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط

ويمر حوالي 12 % من التجارة البحرية عالميًا عبر قناة السويس، البوابة الأقصر بين أوروبا وآسيا، لكنها تواجه تحديات صعبة بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تشرين الأول (اكتوبر) 2023، وانضمام الحوثيين في اليمن إلى ما سُميت جبهة إسناد غزة، ما حدا بهم إلى استهداف السفن المُتجهة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، قبل أن يوسعّوا استهدافاتهم إلى الدول المُنتمية إلى تحالف استهدف وقف هجماتهم.

وفقدت مصر 7 مليارات دولار أميركي من إيرادات القناة خلال العام الماضي، بسبب “التحديات الإقليمية”، وهو ما يُمثل انخفاضًا بأكثر من 60 % مُقارنة بالعام 2023.

وذكر صندوق النقد الدولي، في وقت سابق، أن توترات البحر الأحمر أفقدت مصر 70 % من إيرادات القناة، التي تُعد مصدرًا رئيسًا للعملة الأجنبية، منذ أن بدأ حوثيو اليمن مُهاجمة السفن المُتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر.

أهمية قناة السويس
تُعد قناة السويس أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، وأكثر الطرق البحرية رواجًا وازدحامًا في العالم.

ومع التوسعات المُستمرة، يبلغ طول القناة حاليًا 193 كيلومترًا بدلًا من 164 كيلومترًا من ميناء بورسعيد إلى مدينة السويس، وتُعدّ أطول ممر مائي في العالم.

وزاد عمق هذه القناة من 8 أمتار إلى 24 مترًا، كما زاد عرضها من 52 مترًا إلى 205 أمتار، وكانت الملاحة في القناة لا تتم إلا نهارًا، لكن مع مرور الزمن صار مسموحًا بها ليلًا.

ممر تنموي

وقد قلل مُدير الكُلية البحرية المصرية السابق، ونائب رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس سابقًا، اللواء محفوظ مرزوق، من تأثير مشروع الممر الاقتصادي الجديد، قائلًا “يجب أن نُسمي الأسماء بمُسمياتها. هذا المشروع ليس ممر نقل، إنما ممر تنمية، ولا يُمكنه الدخول في مُنافسة مع قناة السويس”.

وأوضح أن حمولة سفينة واحدة تتطلب عشرات القطارات لنقلها، بالإضافة إلى كُلفة النقل والشحن والتفريغ والتخزين في كُل محطة، ما يزيد من المخاطر للوصول إلى الوجهة المُحددة.

وأشار مرزوق إلى أن التجارة العالمية لا تقتصر على الحاويات فقط، إنما يوجد الصب الجاف (غير مُعبأ)، مثل الفحم والحديد الخام والفوسفات والحبوب، وهو ما يصعب تحقيقه في المشروع الجديد.

وأعرب عن اعتقاده بأن الممر ليس مُنافسًا لقناة السويس، وأن عمليات النقل قد تقتصر على أنواع مُحددة من الطاقة والبضائع والصناعات المُرتبطة بالمشروعات الجديدة في تلك المناطق، التي ستجذب استثمارات ضخمة لها، إلى جانب رغبة واشنطن في مُنافسة طريق الحرير الصيني.

لكن مرزوق توقع أن يستحوذ المشروع الجديد على نسبة ما من حصة قناة السويس، التي ما تزال تمتلك مزايا تنافسية تحمي موقعها مع حسن إدارتها، ووضع إستراتيجية طويلة الأمد لمواجهة التحالفات الدولية المُتنامية التي قد تُعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية.

وقد أنهت مصر التشغيل التجريبي لمشروع ازدواج قناة السويس، نهاية العام 2024، الذي زاد من مساحة الازدواج فيها بواقع 10 كيلو مترات، ليصبح طولها 82 كيلومترًا بدلًا من 72 كيلومترًا، ما سيُساهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة.

سيناريوهات المشروع الجديد
وضع رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، اللواء إسماعيل عبد الغفار، احتمالين للمشروع الذي تُراهن عليه الولايات المُتحدة لزيادة بسط نفوذها في المنطقة ومواجهة تنامي أذرع الصين التجارية.

السيناريو الأول: نجاح المشروع في جذب جزء من التجارة الآسيوية الأوروبية، ما يُقلص دور قناة السويس، أما السيناريو الثاني: فشل المشروع بسبب تعقيدات النقل مُتعدد الوسائط وارتفاع التكاليف، لصالح استمرار هيمنة القناة والتوترات في المنطقة.

وأشار عبد الغفار إلى تعدد التحالفات الدولية، بهدف إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية، بما يخدم مصالح الدول الكُبرى، خصوصًا
في ظل التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وأوضح أن كُل المؤشرات التجارية والاقتصادية تؤكد أن قناة السويس ما تزال الخيار الأمثل للملاحة العالمية، رغم إمكانية تأثير المشروع الجديد بشكل محدود.

وأعرب عبد الغفار عن اعتقاده أن قناة السويس لن تتأثر بدورها الإستراتيجي، خاصة مع استمرار أعمال التطوير والتنمية في المنطقة.
-(الجزيرة نت)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button