
962 – نهاد قاسم
تنشد الدول، عادة، استقطاب الاستثمارات، بحثًا عن زيادة مُعدلات النمو الاقتصادي، وخلق المزيد من فُرص العمل.. وهُنا تكمن مُشكلة الاقتصاد الأردني، الذي يُعاني من ضعف وتواضع مُعدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع بمُعدلات البطالة والفقر، ما يؤكد حاجته لاستقطاب مزيد من الاستثمارات، خصوصًا الأجنبية منها.
وعلى الرُغم مما يتمتع به الأردن من موقع جغرافي استراتيجي، وقطاع خاص ديناميكي، واقتصاد مُتنوع، إلا أن كُل ذلك لم يُسعفه في استقطاب الاستثمارات، وفق اقتصاديون أكدوا “أن المملكة تُعاني بشكل واضح من ضعف ومحدودية الاستثمارات.
وأجمع اقتصاديون، في تصريحات مُنفصلة لـ”962 الإخباري” أن البيئة الاستثمارية في الأردن تواجه تحديات عدة، تُعيق من قدرة الاقتصاد الوطني على استقطاب الاستثمارات، أهمها: ارتفاع كُلف عوامل الإنتاجة، والبيروقراطية المُفرطة، التي تؤثر في بيئة الأعمال وتنفيذ المشاريع، مؤكدين “أن هذه التحديات لا تُعالج بقانون الاستثمار وحده”.
ولتحسين البيئة الاستثمارية المحلية، ورفع سويتها في استقطاب الاستثمارات، يدعوا الخُبراء الحُكومة إلى ضرورة خفض الكُلف الإنتاجية والتشغيلية على القطاعات كافة، وتقديم حُزمة من التسهيلات والحوافز للمُستثمرين، فضلًا عن أهمية إبراز الفُرص الاستثمارية في قطاعات اقتصادية حيوية، وتعزيز ريادة الأعمال للشباب الأردني، ووضع قوانين استثمارية ترفد وتُعزز المشاريع الناشئة والمُتوسطة.
وبلغ إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المُباشر إلى الأردن، نحو 413 مليون دينار، خلال النصف الأول من العام الماضي، مُقارنة مع 396 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام 2023، وبنسبة ارتفاع وصلت لـ4 %، وفق أحدث بيانات إحصائية رسمية.
بيئة استثمارية غير مشجعة
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي، سليم أبو الشعر، يواجه الاستثمار في الأردن تحديات كثيرة، أبرزها: ارتفاع كُلف عوامل الإنتاج،
وبيئة استثمارية غير جاذبة، مؤكدًا “نحن أمام تحديات صعبة، لا تُعالج بقانون الاستثمار وحده”.
ويُضيف أن المُستثمر يهتم في الدرجة الأولى بالأربحية، والإجراءات المُبسطة والمُؤتمتة، مع مُراعاة انخفاض مُستوى المخاطر، لافتًا إلى أن التحدي الأبرز، الذي يواجه الاستثمار في الأردن، هو ارتفاع كُلف عوامل الإنتاج، والإجراءات التنظيمية، وسهولة الدخول والخروج من السوق، حيث أن المُستثمرين لا يهتمون فقط بالدخول، بل في كيفية تصفية أعمالهم بسهولة.
وفيما يُبين أبو الشعر أن تنافسية الاقتصاد في الأردن “ضعيفة، حيث يحتل المرتبة المُتوسطة بين دول العالم. والسبب مُتصل بالسياسات المالية”، أشار إلى ضرورة بإعادة تأهيل وصيانة البُنى التحتية.
ويذكر أن قطاعات: التعليم والسياحة والصحة، تُعد من أهم القطاعات التي تمتلك ميزة تنافسية كبيرة، يجب استغلالها بطريقة أفضل، لتوجيه الاستثمار عليها، إلى جانب قطاع تكنولوجيا المعلومات، خصوصًا الجانب المُتصل بالذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن “العديد من الدول تقدمت علينا في هذا القطاع، على الرغم من أن الأردن كان من رواده، ويُفترض أن تكون لنا ميزة تنافسية كبيرة فيه”.
ويرى أبو الشعر أن الخلل الأكبر، يكمن في بيئة المملكة الاستثمارية، التي ما تزال غير مُحفزة للمُستثمرين، إضافة إلى الأربحية المُنخفضة، والكُلف المُرتفعة، مثل كُلف الطاقة، التي تُعتبر من أكبر المُعيقات للمُستثمرين
ويُطالب أبو الشعر، الحُكومة بضرورة مُعالجة هذه التحديات، وإزالة العقبات، وتحسين مُستوى الخدمات المُقدمة من القطاع العام للمُستثمرين، بالإضافة إلى سرعة إنجاز المُعاملات في ظل التحديات البيروقراطية التي يواجهها المُستثمرون.
الحاجة إلى إبراز الفرص الاستثمارية
من جانبه، يؤكد مُدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين، طارق حجازي، أن الأردن يتمتع ببيئة استثمارية جاذبة، حيث يحظى بحوافز استثمارية وتجارية، تُعد الأفضل على مُستوى المنطقة، إلى جانب اقتصاد مُستقر وآمن.
ويُشير إلى الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، التي تجمع الأردن مع الدول العربية وأميركا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن القرارات الاقتصادية التحفيزية للمُستثمرين والمواطنين، وخطة الإصلاح الاقتصادي والإداري، التي عززت من وجهة الأردن في استقطاب المشاريع الاستثمارية، وجذبها في العديد من القطاعات الاقتصادية.
ويوضح حجازي أن بعض آليات تطبيق القوانين الاستثمارية بحاجة إلى تطوير، بالإضافة إلى ضرورة تحسين الخدمات المُقدمة للمُستثمرين، من خلال تذليل العقبات الإجرائية والبيروقراطية، التي تؤثر في بيئة الأعمال وتنفيذ المشاريع، وتقديم تسهيلات ضريبية وإعفاءات جُمركية تجذب المُستثمرين، وتجعل المملكة مركزًا إقليميًا للمشاريع الاستثمارية.
ويؤكد أهمية العمل على إبراز الفُرص الاستثمارية في العديد من القطاعات الاقتصادية في المملكة، خصوصًا في قطاعات السياحة والعقار والطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، مُشددًا على ضرورة تعزيز ريادة الأعمال للشباب الأردني، ووضع قوانين استثمارية، من شأنها رفد وتعزيز المشاريع الناشئة والمُتوسطة في هذه القطاعات.
كما يؤكد حجازي أهمية تطوير البُنية التحتية، خصوصًا في ظل التنافسية العالية من قبل دول المنطقة في توطين الاستثمارات والمشاريع العالمية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال إشراك الأخير بتنفيذ وتطوير المشاريع الاستثمارية، وكذلك إشراكه بالقرارات الاقتصادية التي تخص الحوافز والتسهيلات، والتي تخدم مُجتمع الأعمال والمُستثمرين، حيث إن المُستثمرين المحليين هم أداة جذب رئيسة للمُستثمرين الأجانب.
قطاع خاص ديناميكي ولكن
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي، وجدي مخامرة، إن “الأردن يمتلك العديد من الفُرص الاستثمارية، لكنه يواجه تحديات عديدة، كالبطالة المُرتفعة، والمديونية العالية، والاعتماد على الاستيراد”، موضحًا أن المملكة تتميز بموقع استراتيجي، وقطاع خاص ديناميكي، إضافة لاقتصاد مُتنوع.
ويُضيف أن الاعتماد على الاستيراد ينتج عنه نقص في السلع والخدمات المحلية، ما يؤثر في فُرص الاستثمار بالقطاعات المحلية، مُبينًا أن البُنية التحتية في الأردن تحتاج إلى تحسين، خصوصًا في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات.
ويوضح مخامرة أن القوانين واللوائح إذا كانت مُعقدة ومُتغيرة، فإنها تؤثر سلبًا في ثقة المُستثمرين، مُقارنة بدول مُجاورة ومُنافسة في استقطاب الاستثمارات.
وحول القطاعات، التي تتوفر فيها فُرص استثمارية، يؤكد مخامرة أهمية قطاع الطاقة المُتجددة؛ نظرًا لما يمتلكه الأردن من إمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى قطاع السياحة، ووجود العديد من المواقع الأثرية والتاريخية، وقطاع التكنولوجيا لوجود عدد من الشركات الناشئة في مجالات البرمجيات والاتصالات.
ويُتابع مخامرة أن قطاع الصناعة في الأردن مُتنوع؛ نظرًا للفُرص الاستثمارية في مجالات: الصناعة الغذائية والكيميائية، فضلًا عن قطاع الموارد، الذي يُعتبر غير مُستغلًا كالنحاس والسيليكا والصخر الزيتي ومعادن أُخرى.
ويدعو مخامرة إلى ضرورة تحسين البُنى التحتية، خاصة في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات، وتبسيط القوانين واللوائح، لجعلها أكثر وضوحًا، وتوفير الدعم للشركات الناشئة، بالإضافة إلى جانب تعزيز الثقة الاستثمارية، عن طريق توفير معلومات دقيقة حول الفُرص الاستثمارية في البلاد.