
962-أبو ظبي
تتجه الأنظار مجدداً إلى أوكرانيا، ليس فقط كساحة للصراع الجيوسياسي، إنما كذلك كمصدر هائل للثروات الطبيعية؛ مع تصاعد الضغوط الأميركية على كييف لتوقيع اتفاق يمنح واشنطن اليد العليا في استغلال الموارد غير المستغلة في البلاد.
يفتح الاتفاق الذي يصبو إليه ترامب الباب أمام الشركات الأميركية للوصول إلى احتياطيات النفط والغاز، فضلاً عن المعادن الحيوية ، في خطوة تثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار الاقتصادي الأوكراني في خضم المعادلات السياسية المعقدة.
غير أن ما يضاعف أهمية هذا الاتفاق هو التركيز الأميركي على المعادن الأرضية النادرة، التي تُعد العمود الفقري لصناعات التكنولوجيا المتقدمة، بدءاً من الهواتف المحمولة وحتى السيارات الكهربائية .
هذه الموارد، التي تتسابق عليها القوى الكبرى، تضع أوكرانيا في قلب معركة اقتصادية عالمية، حيث تسعى الولايات المتحدة لتعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها وتقليل الاعتماد على الصين ، المنافس الأبرز في هذا المجال، ما يمنح البعد الاقتصادي للصراع بعدًا أكثر تعقيداً.
واهتمام الرئيس ترامب بالمعادن النادرة ليس جديداً، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أشار إلى أنه:
- في العام 2017، وخلال ولايته الأولى وقع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً بشأن تأمين إمدادات المعادن الرئيسية .
- ثم أعقب ذلك في العام 2020 بأمر تنفيذي آخر يركز على هيمنة الصين على توريد العناصر الأرضية النادرة.
- كما ينبع اهتمام الرئيس الأخير بالسيطرة على غرينلاند من الموارد المعدنية في البلاد.
ووفقاً لمجموعة الأبحاث “بروجكت بلو”، فإن قطاع المعادن النادرة لم يتجاوز قيمته 7 مليارات دولار على مستوى العالم في العام 2023.
ولا يزال ترامب عازماً على الاستحواذ على حصة أكبر من سوق المعادن النادرة. ويقول خبراء الصناعة إن هيمنة الصين على تكرير هذه العناصر وإنتاجها تشكل تهديداً للولايات المتحدة والشركات الغربية وسلاسل التوريد الخاصة بها.
ما هي المعادن الأرضية النادرة؟
- هناك 17 عنصراً نادراً من العناصر الأرضية، والتي على الرغم من اسمها، ليست نادرة بشكل خاص.
- هي ضرورية للتحول إلى الطاقة النظيفة ، وتستخدم في مجموعة من الصناعات والمنتجات، مثل الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون وطواحين الهواء والمحولات الحفازة في السيارات.
- تتواجد المعادن في بعض الصخور النارية والرواسب الطينية في جميع أنحاء العالم، ولكن استخراجها مكلف وينطوي على عملية تعدين معقدة.
- ضرورية لإنتاج المغناطيسات الدائمة التي تستخدم في الطائرات المقاتلة والصواريخ. ونتيجة لهذا، تظهر في قوائم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمعادن الهامة التي تشمل الليثيوم والنيكل والكوبالت.
أين يمكن العثور عليها حول العالم؟
- وفقاً للمسح الجيولوجي الأميركي، تمتلك الصين ما يقل قليلاً عن نصف احتياطيات العالم من المعادن النادرة، إلى جانب البرازيل والهند وأستراليا التي تعد أيضا من النقاط الساخنة لهذه الاحتياطيات.
- يعد منجم بايان أوبو في منطقة منغوليا الداخلية الصينية أكبر منجم للمعادن النادرة، والذي ينتج المعادن إلى جانب خام الحديد.
- على الرغم من أن المعادن النادرة لا تعتبر نادرة بشكل واضح، فإن تركيز المعادن الموجودة في أي رواسب معينة لا يكون في كثير من الأحيان كافياً لجعل الموقع قابلاً للتعدين اقتصادياً.
ووفق أستاذة علم الصخور والكيمياء الجيولوجية بجامعة كامبريدج، سالي جيبسون، فإن “الأمر النادر في هذه الرواسب هو وجودها بتركيزات عالية”، مضيفة أن الرواسب تميل إلى أن يكون قطرها أقل من كيلومتر واحد، مما يجعل العثور عليها أمراً صعباً.
يتم استخراج المعادن النادرة عادة كمنتج ثانوي للمعادن الأخرى الأكثر شهرة واستخداماً على نطاق واسع، مثل الحديد والفوسفور، والتي توجد جنباً إلى جنب معها.
على الرغم من اهتمام ترامب بالمعادن النادرة في أوكرانيا، لا توجد مناجم نشطة أو رواسب قيد التطوير في البلاد، وفقًا لشركة Benchmark Mineral Intelligence.
لماذا من الصعب استخراجها؟
- إنتاج المعادن النادرة معقد للغاية ومكلف.
- استخراجها من الصخور والطين وتنقيتها إلى منتج يمكن استخدامه للأغراض الصناعية هي عملية طويلة؛ لأنه يجب فصل المعادن وتنقيتها بشكل فردي.
- إنها تتضمن العديد من المراحل وهي صعبة لأن المعادن لها خصائص كيميائية متشابهة، مما يجعل فصلها صعباً بشكل خاص.
وقال نائب مدير مركز استخبارات المعادن النادرة في المملكة المتحدة، بيير جوسو: “إن عملية التكرير صعبة.. إن فصلها إلى عناصر فردية يستغرق الكثير من الوقت والطاقة”.
قد تكون هذه العملية ملوثة، حيث تحتوي بعض الخامات التي تحتوي على معادن أرضية نادرة على عناصر مشعة، مثل الثوريوم. وهذا يعني أن مصانع المعالجة قد تنتهي إلى إنتاج نفايات مشعة، وهو أمر صعب ومكلف للتخلص منه.
لماذا تهيمن الصين على السوق؟
- تستثمر الصين في تكرير ومعالجة المعادن النادرة منذ 30 عاماً، وتسيطر على 90 بالمئة من القدرة العالمية على المعالجة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
- بحسب جوسو فإن “يمكنك التعدين في أي مكان في العالم، ولكن إذا لم تقم أيضاً ببناء القدرة على الصهر والتكرير، فسوف ترسل خامك إلى الصين لتكريره”.
- تدرك الصناعة المخاطر التي تواجهها الشركات الغربية بسبب هيمنة الصين على سلسلة التوريد.
وقالت مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، جريسلين باسكاران: “كنا نعلم منذ فترة طويلة أن هذا يشكل ثغرة استراتيجية، لكن الأمر يتطلب رأس مال مكثف لبناء المعالجة الوسطى التي تشمل التخزين والنقل”.
- واصلت الصين إنتاج المعادن النادرة على نطاق واسع، على الرغم من انخفاض الأسعار مع تفوق العرض على الطلب.
- زاد نمو العرض الصيني بشكل أسرع من الطلب منذ عام 2020.. ومن المتوقع أن يستمر العرض الزائد حتى عام 2026 أو 2027 على الأقل، وفقًا لـ Benchmark Mineral Intelligence.
لماذا تعتبر العناصر الأرضية النادرة مهمة؟
- تشعر الحكومات الغربية بالقلق إزاء هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة بسبب أهميتها في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك تلك التي تعتبر حاسمة للأمن القومي، مثل الدفاع.
- يؤدي هذا الاعتماد على الصين إلى تعريض الغرب للتغيرات في سياسات البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى إحداث فوضى في سلاسل التوريد وصحة الشركات التي تعتمد على المعادن في منتجاتها.
- تعود المخاوف بشأن الصين إلى عام 2010 على الأقل عندما حذرت جمعية المواد المغناطيسية الأميركية من “أزمة المعادن النادرة الوشيكة” التي قالت إنها تشكل تهديداً للاقتصاد والأمن القومي للولايات المتحدة.
- رغم هذه المخاوف، فشل الغرب في الاستجابة. على سبيل المثال، لا يزال الاتحاد الأوروبي لا ينتج أي عناصر أرضية نادرة مستخرجة من المناجم. وهو يستورد 98 بالمئة من مغناطيساته من العناصر الأرضية النادرة من الصين، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
ويشير تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن بكين أظهرت كيف يمكنها استغلال هيمنتها على السوق في ديسمبر 2023 عندما حظرت تصدير تكنولوجيا معالجة المعادن النادرة.