غير مصنف

ترامب يُريد نظام عالميًا جديدًا تُشكله قوى عُظمى

962 – نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا للمُعلق، إيشان ثارور، قال فيه إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يُريد نظام عالميًا جديدًا، تُشكله فقط القوى العُظمى والمُهللون لها، وأن يتصرف بلا حدود وكأنه القوى الأعظم مُطلقًا.

وأشار الكاتب إلى تصريحات مُدير المُخابرات الخارجية البريطانية “أم أي 6” السابق أليكس يونغر، والتي قال فيها “لا أعتقد أننا سنعود إلى ما كان عليه الحال من قبل”.
وقد انتشرت تصريحاته بشكل واسع بعد بثها، مؤخرًا، على برنامج “نيوز نايت” على قناة “بي بي سي”، حول حالة النظام الدولي في الولاية الثانية للرئيس ترامب.

وأوضح يونغر “نحن في عصر جديد، حيث لن يتم تحديد العلاقات الدولية بشكل عام من خلال القواعد والمؤسسات المُتعددة الأطراف، بل سيتم تحديدها من خلال رجال أقوياء وصفقات. هذه هي عقلية ترامب، وبالتأكيد عقلية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إنها عقلية الرئيس الصيني شي جين بينغ”.

وكانت الولايات المُتحدة الأميركية صوتت إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا ومجموعة من المجالس العسكرية في غرب أفريقيا، ضد قرار الجمعية العامة للأُمم المُتحدة الذي يُدين موسكو في الذكرى الثالثة لغزوها لأوكرانيا.

وصدمت هذه الخطوة المُحللين والمُراقبين الأوروبيين، الذين اعتبروها المؤشر الأكثر وقاحة حتى الآن على استعداد ترامب لتجاهل المعايير والتنمر على الشركاء.

وإذا لم يكن إطلاق الحروب التجارية، وتفكيك التحالفات كافيًا، فها هو الرئيس الأميركي يُبرر على ما يبدو استيلاء روسيا على الأراضي في جار أضعف.

وقال خبير الأُمم المُتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، ريتشارد جاويان، “إن الانقسام بين الولايات المُتحدة وأوروبا، يُمثل الآن أكبر انقسام بين القوى الغربية في الأُمم المُتحدة منذ حرب العراق، وربما أكثر جوهرية”.

ويبدو أن ترامب حريص على الانفصال عن هذه القوى الغربية، إذ صور نفسه كوكيل للسلام.
وقال، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، مؤخرًا، “لقد أجرينا مُحادثات رائعة، بما في ذلك مع روسيا، منذ عودتي إلى البيت الأبيض. إن إدارتي تقطع بشكل حاسم مع قيم السياسة الخارجية للإدارة السابقة، وبصراحة، الماضي”.
لكنها تعود أيضًا إلى ماض أبعد. إن أجندة “أمريكا أولًا” التي يتبناها ترامب لا تهتم كثيرًا بالأُممية العالمية، التي دعمت على نطاق واسع أجيالًا من السياسة الخارجية الأميركية بعد الحرب.

إنه لا يرى المدى الذي ساعد به النظام الدولي، الذي بنته واشنطن، إلى حد كبير في ضمان تفوق الولايات المُتحدة، وتعزيز الرخاء الأميركي.
بدلًا من ذلك، ينظر إلى الساحة الدولية، ويرى في الولايات المُتحدة دولة تُقدم الكثير، وتعرضت لخداع من حلفائها، واستغلال خصومها.

ولهذا، ففكرة ترامب أو البيت الأبيض الحالي تقوم على عالم تُشكله القوى العُظمى والمُهللون لها فقط، وأن يتصرف كأعظم قوة على الإطلاق.

وكانت مُحاولاته لإجبار جيرانه في المكسيك وكندا، وتهديده بضم قناة بنما، والدعوة إلى استيعاب غرينلاند، كلها إيماءات من إمبراطوري مُتسلط يسعى إلى الاستيلاء على مجال نفوذه.

وكتبت مؤلفة كتاب “العالم الخفي: كيف تخترق الثروات العالم”، أتوسا أراكسيا أبراهاميان، “إن السياسة الخارجية لترامب تتعامل مع دول العالم باعتبارها مواقع للتحكم واستخراج المواد، وليس باعتبارها دولًا ذات سيادة مُستقلة. يُمكننا أن نُطلق على ذلك “العولمة الوطنية”: السعي في الفضاء الخارجي لتعزيز المصالح الأميركية”.

وفي مقال مدروس بمجلة “فورين أفيرز”، أوضح مُدير معهد كينان، التابع لمركز ويلسون، مايكل كيماج، كيف يبدو أن ترامب أكثر انحيازًا إلى رجال أقوياء، مثل بوتين، وشي، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكلهم، بدرجات مُتفاوتة، من الزعماء اليمينيين لما يسمى “دول الحضارة”، الذين يرون دولهم مُقيدة بماض مجيد، يجب استرداده في المُستقبل. إنهم يكرهون عالمية النخب الحضرية في مُجتمعاتهم، ويُشككون في الإدعاءات الليبرالية للنظام “القائم على القواعد”، المُتهالك الذي تدعمه الولايات المُتحدة منذ ما يقُرب من قرن من الزمان.

وكتب كيماج “مع وجود ترامب في السلطة، فإن الحكمة التقليدية في أنقرة وبكين وموسكو ونيودلهي وواشنطن (والعديد من العواصم الأُخرى)، ستُقرر أنه لا يوجد نظام واحد، ولا مجموعة مُتفق عليها من القواعد. في هذه البيئة الجيوسياسية، ستتراجع فكرة “الغرب” الهشة بالفعل بشكل أكبر، وبالتالي، فإن وضع أوروبا، التي كانت في حُقبة ما بعد الحرب الباردة، شريكة واشنطن في تمثيل “العالم الغربي”، سيتراجع أيضًا”.

وأضاف ثارور “أن الأوروبيين يُحاولون بالفعل فهم هذه الصدمة”.

وذكر تعهد المُستشار اليميني الوسطي القادم لألمانيا، والمُتخصص المُخضرم في العلاقات عبر المحيط الأطلنطي، فريدريش ميرز، بقيادة “استقلال” بلاده عن عقود من الاعتماد على مظلة الأمن الأميركية.

وأعرب عن غضبه من تبني ترامب الظاهري لوجهة النظر، التي طرحها الكرملين بشأن حرب أوكرانيا، بما في ذلك اقتراحاته بأن رغبة كييف في عضوية حلف شمال الأطلسي “ناتو” أثارت الصراع.

وقال ميرز “هذا في الأساس انقلاب كلاسيكي لدور الجاني والضحية. هذه هي الرواية الروسية، وهذه هي الطريقة التي صورها بها بوتين لأعوام. وأنا بصراحة مصدوم إلى حد ما من أن ترامب تبناها الآن على ما يبدو”.

وكتب كريستوفر شيفيز، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، من المُرجح أن نشهد “الطلقة الافتتاحية لجهود أميركية كُبرى لإعادة التفاوض على شروط روابطها مع أوروبا”، مُستشهدًا بالقنابل الخطابية التي ألقاها مساعدو ترامب خلال زياراتهم للقارة الشهر الحالي”.

وتابع “لا يمكن معرفة إلى أي مدى ستصل إدارة ترامب، لكن هذه العلاقة الأساسية لسياسة الولايات المُتحدة، والتي ولدت في لحظة صعود الولايات المُتحدة إلى مكانة القوة العُظمى العالمية، ستتغير بطرق جوهرية”.

ويرى ترامب وحلفاؤه أنفسهم وكأنهم يقومون بإنجاز عظيم في “إعادة التوازن” على المسرح العالمي، فيما يبدو أن البيت الأبيض يأمل في مُقاربة “عكس كيسنجر”، أي فتح باب مع موسكو في مُحاولة لدق إسفين بين روسيا والصين، تمامًا كما قوض الرئيس ريتشارد نيكسون الاتحاد السوفياتي عندما حقق انفراجة مع بكين العام 1972.

ويُشكك مُعظم المُحللين، بمن فيهم عدد من المُراقبين في أماكن أُخرى، في قدرة البيت الأبيض على تحقيق ذلك.

وقال كوي هونغ جيان، وهو باحث في الدراسات الأوروبية بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، “لقد بنت الصين وروسيا شراكة أكثر شمولًا، تمتد إلى ما هو أبعد من الأمن إلى التنمية الاقتصادية. هذه ليست نفس البلدان التي كانت عليها ذات يوم. كما قال أحد الفلاسفة اليونانيين المشهورين، (لا يخوض رجل في نفس النهر مرتين)”.

ويختم الكاتب بالقول إنه بينما يعود إلى دوامة سياسات القوى العُظمى، يبدو ترامب حريصًا على إثبات خطأ الفيلسوف.
-(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button